في إطار سعيها الدؤوب نحو استشراف آفاق العدالة الجنائية في ظل مخرجات الثورة التكنولوجية الحديثة، نظّمت كلية الحقوق جامعة الزقازيق اليوم الأحد الموافق ٢١ ديسمبر ٢٠٢٥م، مؤتمرها العلمي الثاني لقسم القانون الجنائي تحت عنوان "انعكاس الذكاء الاصطناعي على السياسة الجنائية".
وذلك تحت رعاية الأستاذ الدكتور خالد الدرندلي رئيس جامعة الزقازيق، وحضور الأستاذ الدكتور إيهاب الببلاوي نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، والأستاذة الدكتورة شيماء عبد الغني عطا الله القائم بأعمال عميد كلية الحقوق.
شهد المؤتمر حضور نخبة من القامات القانونية والأكاديمية البارزة، وهم: الأستاذ الدكتور عبد التواب معوض الشوربجي أستاذ القانون الجنائي المتفرغ، والأستاذ الدكتور نجاتي سند أستاذ القانون الجنائي المتفرغ، والأستاذ الدكتور محمد حمدي بهنسي وكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب، والأستاذ الدكتور أحمد دهشان وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث، والأستاذ الدكتور أحمد الشوادفي القائم بأعمال رئيس قسم القانون الجنائي، والأستاذ الدكتور يحيي دهشان أستاذ القانون الجنائي المساعد، إلى جانب لفيف من أعضاء هيئة التدريس والباحثين.
افتُتحت فعاليات المؤتمر بالسلام الجمهوري، أعقبه تلاوة عطرة لآيات من الذكر الحكيم، ثم ألقى الأستاذ الدكتور إيهاب الببلاوي كلمة تقدم من خلالها بالشكر إلى كلية الحقوق على هذا الحراك العلمي المتواصل، مشيرًا أن الذكاء الاصطناعي قد أفرز أنماطًا جديدة من الجرائم مثل جرائم الانتحال والنصب الإلكتروني، الاعتداء على السمعة والخصوصية، وجرائم البصمة الصوتية، وهو ما يستدعي إعادة صياغة السياسة الجنائية بما يحقق الردع الفعّال، ويحفظ التوازن الدقيق بين حماية المجتمع وصون الحقوق والحريات، مؤكدا أن البحث العلمي يمثل الركيزة الأساسية لبناء منظومة عدالة قادرة على التعامل مع المتغيرات التكنولوجية الحديثة.
من جانبها، أوضحت الأستاذة الدكتورة شيماء عبد الغني عطا الله أن الذكاء الاصطناعي أصبح أحد أهم المؤثرات في المنظومة الجنائية، بما يفرض ضرورة إعادة النظر في مفاهيم التجريم والمسئولية والعقاب، ويحقق التوازن بين حماية المجتمع وصون الحقوق والحريات. وأضافت أن كلية الحقوق تسعى دائمًا إلى دعم البحث العلمي الجاد وفتح آفاق الحوار بين الأكاديميين والمتخصصين، بما يسهم في إعداد كوادر قانونية قادرة على التعامل مع المستجدات القانونية الحديثة.
تضمّن المؤتمر عدة جلسات علمية ثرية ناقشت محاور علمية متعددة، وهي:
- إشكالية التجريم في ظل انتشار أعمال الذكاء الاصطناعي
- تأثير الذكاء الاصطناعي على الحق في الخصوصية
- المسئولية الجنائية الناشئة عن تقنيات الذكاء الاصطناعي
- الجزاء الجنائي عن أعمال الذكاء الاصطناعي
حيث أكد الأستاذ الدكتور عبد التواب الشوربجي أن التطور المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي يفرض تحديات جوهرية على السياسة الجنائية التقليدية، لافتًا إلى أن التشريعات الجنائية الحالية لم تُصَغ في سياق تقني مماثل، الأمر الذي يستدعي مراجعة تشريعية تواكب المستجدات، وتحقق التوازن بين حماية المجتمع ودعم التطور العلمي.
وأشارت الأستاذة الدكتورة شيماء عبد الغني إلى إشكالية المسؤولية الجنائية في مجال الذكاء الاصطناعي والتي لا تقتصر على تعدد الفاعلين، بل تمتد إلى صعوبة تحديد العلاقة السببية بين الفعل والنتيجة في ظل تدخل الأنظمة الذكية، مؤكدة أن البحث في هذا المجال أصبح ضرورة تشريعية ملحّة.
كما أثار الأستاذ الدكتور أحمد الشوادفي مخاطر الذكاء الاصطناعي والذي أصبح أحد أخطر مصادر التهديد غير المباشر للحق في الخصوصية، لا سيما مع التوسع في جمع البيانات وتحليلها آليًا، مؤكدًا أن الحماية الجنائية للخصوصية يجب أن تتطور لتشمل الانتهاكات غير التقليدية الناتجة عن المعالجة الخوارزمية للبيانات.
وقد أبرز الأستاذ الدكتور يحيى دهشان إشكالية الجزاء الجنائي في جرائم الذكاء الاصطناعي تثير تساؤلات جوهرية حول مدى ملاءمة العقوبات الجنائية التقليدية، خاصة في الحالات التي يغيب فيها الفاعل البشري المباشر، مشيرًا إلى أهمية البحث عن بدائل عقابية تتفق مع مبادئ العدالة الجنائية.
خَلُصَ المؤتمر إلى حزمة من التوصيات التي أكدت ضرورة تطوير المنظومة التشريعية الجنائية بما يواكب تحديات الذكاء الاصطناعي، من خلال تحديث مبدأ الشرعية الجنائية، وتحديد المسؤوليات القانونية عن أفعال الأنظمة الذكية، وتعزيز الضوابط الفنية والأخلاقية والرقابية، إلى جانب دعم البحث العلمي، وتعديل التشريعات القائمة، وتوسيع نطاق التعاون الدولي وبناء القدرات القضائية لمواجهة الجرائم التقنية المستحدثة.
وفي ختام الفعاليات، تم تكريم عدد من الأساتذة والباحثين المتميزين بمختلف الأقسام العلمية، تقديرًا لجهودهم البحثية ومشاركاتهم العلمية المتميزة خلال مؤتمرات الفصل الدراسي الأول، كما تم إهداء درع كلية الحقوق إلى الأستاذ الدكتور إيهاب الببلاوي، تقديرًا لدوره البارز في دعم البحث العلمي والباحثين بجامعة الزقازيق.